الاثنين، 13 يوليو 2009

مستقبل اللغة العربية وتحدياتها

تاريخ الحلقة: 25/2/2007

عبد الصمد ناصر: السلام عليكم ورحمة الله وأهلا بكم إلى الشريعة والحياة يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز.. بسم الله الرحمن الرحيم {وكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِياً وصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً} صدق الله العظيم، العربية لغة القرآن وهذا ما يحفظ لها حياتها الأبدية فحفظ القرآن الذي تكفل الله به يستلزم بالضرورة حفظ لغته والعربية حين تكون لغة الإسلام بهذا المعنى وبما هو دين عالمي فإن هذا يستلزم أن تكون لغة عالمية، لكن لماذا تخلفت عن هذا الدور؟ وما موقعها من لغة العلوم اليوم؟ وأين أصبحت في ظل لغة العولمة؟ وما هي التحديات التي تواجهها؟ وما هو دورها في صيانة الهوية والأمة؟ اللغة العربية ومستقبلها موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، أهلا بك فضيلة الشيخ.

يوسف القرضاوي: أهلا بك يا أخ عبد الصمد.

عبد الصمد ناصر: فضيلة الشيخ لو بدأنا بالسؤال المطروح هل اللغة العربية لغة مقدسة؟

اللغة العربية بين تعظيم القرآن واستهانة أهلها

يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه وبعد فاللغة العربية لغة معظمة ليس من الضروري أن نقول لغة مقدسة لأن كلمة التقديس لها إيحاءات ومدلولات، إنما هي لغة معظمة لأنها لغة القرآن ولغة العبادة الإسلامية ولغة الثقافة الإسلامية وهي اللسان المشترك بين المسلمين جميعا وحتى قال الإمام الشافعي في كتابه الرسالة على كل مسلم أن يتعلم من لسان العربية ما بلغه جهده حتى ينطق بالشهادتين ويتلو بها كتاب الله ويقرأ الفاتحة والتشهد والأشياء التي تتطلبها العبادة وقال الإمام بن تيمية إن فهم الكتاب والسنة واجب ولا يفهم الكتاب والسنة إلا بالعربية وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فتعلم العربية فرض واجب، واجب على الأعيان أحيانا وواجب على الكفاية أحيانا، يعني في جزء يجب على الناس عينا يتعلم جزء ما يصحح به صلاته وعبادته وفي بعض الناس يجب أن يتعلموا اللغة ليتبحروا في العلوم.. في علوم الشريعة ونحن يعني كنا نسمي اللغة العربية في تراثنا نسميها العلوم الآلية، علوم اللغة العربية تسمى العلوم الآلية، يعني هي علوم شرعية ولكن العلوم الشرعية في علوم مقاصد زي الفقه والتوحيد والتفسير والحديث وعلوم وسائل اللي هي علوم العربية.. النحو والصرف والبلاغة ولذلك نحن درسنا هذه العلوم لعلنا أكثر مما درسنا العلوم الشرعية في الأزهر الشريف في معاهده وفي كلياته، فتعلم العربية هو جزء من الدين ولذلك سيدنا عمر يبعث إلى سيدنا أبي موسى الأشعري يقول تفقهوا في العربية وتفقهوا في السُنة وأعربوا القرآن فإنه عربي ويقول تعلموا العربية فإنها من دينكم وتعلموا الفرائض علم المواريث فإنه من دينكم ولذلك أجمع الأصوليون على أن من شرائط الاجتهاد لا يبلغ الإنسان مرتبة الاجتهاد في علوم الشرع إلا بالرسوخ في العلم العربي، لا يُكتفى بالإلمام بعلم العربية.. لا لازم يكون متمكن من علوم اللغة العربية، فهذه الصلة اللغة بهذا الدين العظيم.

عبد الصمد ناصر: طيب حينما يصف الله سبحانه وتعالى القرآن بأنه عربي، ما سر عربية القرآن الكريم؟

يوسف القرضاوي: ما سر؟

عبد الصمد ناصر: عربية القرآن الكريم؟

يوسف القرضاوي: عربيته أنه نزل.. يعني كما قال الله تعالى {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} فالقرآن عربي لأنه نزل بلغة العرب {إنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِياً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} {فَإنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} {قُرْآناً عَرَبِياً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، بَشِيراً ونَذِيراً} إلى آخره، فعربية القرآن يعني لا شك فيها {قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} فعربية القرآن أنه نزل بلغة العرب، اختار الله هذه اللغة وهذا أيضا يعني مما يشرف اللغة العربية أن الله اختارها لينزل بها أعظم كتبه وآخر كتبه.. القرآن العظيم ولذلك اللغة العربية محفوظة بحفظ القرآن، لا يمكن.. كثير من الناس خائف على اللغة العربية ولكن لا يخاف على اللغة العربية بمعنى أنها تزول أو كذا لا يمكن يعني تضعف بضعف أهلها ولكن اللغة العربية باقية ما بقي القرآن، القرآن ضَمَن للغة العربية بقاءها واستمرارها كما أن الله ضمن بقاء القرآن وحفظ القرآن {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.

عبد الصمد ناصر: إذاً الله سبحانه وتعالى حفظ اللغة العربية بحفظه للقرآن الكريم، لكن هل هذا الحفظ هو غيبي أم لابد من وجود طائفة من الناس تقوم على هذا؟

يوسف القرضاوي: لا هو معنى أن الله يحفظ هذا أنه يهيئ من الأسباب والوسائل ما يحفظ به هذا القرآن.. مش هينزل ملائكة تحفظ القرآن، هو القرآن هيُحفظ بحفظ الناس، إنما يهيئ الله من الأسباب ما يُحفظ به.. يعني أنظر الآن إلى مراكز تحفيظ القرآن، الجوائز التي تُرصد لحفظة القرآن.. يعني بالآلاف المؤلفة، كل هذا من وسائل حفظ القرآن أن الله يخلق من الدواعي ويهيئ من السنن والأسباب ما يُبقي هذا القرآن محفوظا يعني في الصدور يحفظه عشرات الآلاف من الناس والحمد لله رب العالمين.

عبد الصمد ناصر: جمهور الفقهاء جعلوا أداء الصلاة بالعربية شرطا لصحتها فضيلة الشيخ، ماذا يعني ذلك؟

يوسف القرضاوي: هو مش جمهور الفقهاء.. كل العلماء، الإمام أبو حنيفة في أول الأمر أجاز للناس من أهل فارس الذين دخلوا الإسلام أن يقرءوا بلغتهم إلى أن يتعلموا، إنما هذا لا يجيزه أن يظل الأمر الإنسان إلى الأبد يتلو القرآن بلغته الأعجمية أو يكبر باللغة الأعجمية أو يسلم باللغة الأعجمية، لا هذا يعني أجازه الإمام أبو حنيفة لضرورة الداخلين الجدد في الإسلام لأن الإنسان مش هيتعلم العربية في يوم ولا اثنين، يعني لابد أن نعطيه فرصة والصلاة مفروضة.. خمس صلوات مفروضة على المسلم في اليوم، إما تقول له أجل الصلاة لحد ما.. لا الصلاة لا تؤجل فهو يصليها بما استطاع يعني.

عبد الصمد ناصر: طيب فضيلة الشيخ لو انتقلنا إلى واقع العربية اليوم، يعني نعلم أن الإسلام كان له فضل عظيم في انتشار اللغة العربية في شتى بقاع العالم بل إن الكثير من اللغات في العالم استفادت من اللغة العربية وأدخلت إلى معجمها الكثير من الأفراد.. المفردات عفوا.. وكانت اللغة العربية في زمن ما لغة العلم لغة الحضارة، ما الذي جرى للغتنا العربية اليوم بعد ما كانت هذه اللغة تشع على العالم؟

يوسف القرضاوي: هو الحقيقة يعني هانت الأمة فهانت اللغة بهوان الأمة..

عبد الصمد ناصر: ذل القوم فذلت لغتهم..

يوسف القرضاوي: حينما تقوى الأمة تقوى لغتها.. يعني اللغة من دلائل القوة، انظر الآن مثلا ما هي أقوى اللغات في العالم؟ الإنجليزية لأنها لغة أميركا وقبل أميركا حينما كانت بريطانيا يعني سيدة البحار والتي لا تغيب الشمس عن أملاكها.. كان لها.. لأن العرب ضعفوا فضعفت وإلا فالعلوم كتبت في عصر الحضارة الإسلامية علم الطب وعلم التشريح وعلم الفلك وعلم الفيزياء وعلم الكيمياء وعلم الرياضيات.. كل العلوم كُتبت باللغة العربية، لم تضق اللغة العربية عن علم من العلوم، الآن لأن الأمة عجزت وأصابها الوهن فأصبحت تُدرِّس العلوم الطب والهندسة والحاسوب وهذه الأشياء تدرسه باللغة الإنجليزية أو باللغة الفرنسية، ما فيش إلا بعض البلاد مثل سوريا التي أصرت على أن تعلم الطب باللغة العربية والحمد لله فيها أطباء ممتازون، لم تقف اللغة العربية يعني حاجزا، فهذا للأسف أن الأمة فرطت في لغتها حتى أن بعض البلاد لم تقبل الكتب التي تُرجمت إلى العربية.. لم تقبلها مراجع، يعني أعرف في الأردن المَجمع اللغوي ترجم عدد من أمهات الكتب العلمية وقام على ذلك علماء متخصصون ترجموها إلى اللغة العربية.. لا حينما ترجمت إلى اللغة العربية تصلح مرجعا، لازم لكي تكون مرجعا لازم تأخذها من الإنجليزية، فهذا للأسف هو من ضعف الأمة، أنا أضرب لك مثل بتخلي الأمة عن لغتها.. هناك في البلاد الإسلامية المختلفة في أسيا وأفريقيا في الهند وباكستان وبنغلاديش وماليزيا وإندونيسيا والفلبين وفي أفريقيا في نيجيريا وفي السنغال وفي البلاد دي كلها مدارس تعلم اللغة العربية.. تعلم أبناءها بالآلاف المؤلفة بنين وبنات وأنا زرتها، هذه للأسف لا تجد من البلاد العربية ما يشجع.. البلاد الأخرى أنظر إلى فرنسا والفرانكفونية، انظر إلى إنجلترا والمعهد البريطاني والمجلس البريطاني، هناك مدارس أنشئت اسمها اتحاد المدارس العربية، اتحاد يرأسه الأمير محمد الفيصل وبعض الأخوة كان الدكتور الشاوي والدكتور أحمد فريد ويعني يقومون على الأمانة العامة وهذه تقوم بعمل عظيم في الربط بين هذه المدارس ومحاولة تطويرها ومساعدتها وعمل دورات لهم ولكن الأمة العربية لا تكلف نفسها.. يعني الأمم تدفع لكي ملايين مملْيَنَة لكي تنشر لغتها، هذه اللغة ينشر نفسها بنفسها بس محتاجة إلى نوع من التسديد والمساعدة حتى تقف على رجليها، لكن لا نفعل ذلك..

عبد الصمد ناصر: لكن فضيلة الشيخ هذه اللغة إذا لم يقم أهلها بنشرها حتى بينهم يعني حتى داخل البلدان العربية نفسها فكيف نطلب أن يتم نشرها في بلدان أخرى نحن نرى الآن أن أغلب الأسر الآن تتجه إلى تعليم أبناءها لغات أجنبية وتجعل من ذلك بل منهم من يتباهى بأن ابنها يتقن هذه اللغة؟

تحديات اللغة العربية

يوسف القرضاوي: وهذا يعني من الأخطار التي تهدد اللغة العربية.. لغة الأم، يعني كان في قطر في الأسبوع الماضي مؤتمر على اللغة الأم وكيفية التواصل مع العالم وكان من الأشياء التي طُرحت ما يهدد لغة الأم، ما يهدد لغة الأم المربيات والخادمات الفليبينيات والهنديات والإندونيسيات اللاتي يأتين بلغة أعجمية غير لغة عربية ويلقنون.. تلقن هذه الخادمات الأطفال لغتها، فلا يتعلم الطفل اللغة العربية من أمه، الأم مشغولة ومسلمة ابنها أو بنتها إلى هذه المربية أو إلى هذه الخادمة، هذا خطر وانتشار هذا.. أيضا عملية المدارس الأجنبية وهذه تعلم أبناء النخبة للأسف، أولاد النخبة يقول لك المدارس القومية والمدارس الوطنية ضعيفة المستوى فلازم يوديه مدرسة أجنبية فيتعلم في هذه المدرسة.. لا يتعلم تاريخ قومه لا يتعلم التاريخ الإسلامي..

عبد الصمد ناصر: التراث..

يوسف القرضاوي: وإنما يتعلم تاريخ الإنجليز، لا يتعلم تقاليد المجتمع الإسلامي وإنما تقاليد.. ولا يفهم اللغة.. أنا أقول لك يعني بعض أقربائي ممن رأيتهم أدخلوا أبنائهم وبناتهم هذه المدارس أشوف الولد أو البنت يعني لبلب زي ما يقولوا في اللغة الإنجليزية، البنت يعني تقرأ القصة الإنجليزية الطويلة تصبر عليها وتفهمها وتتعامل معها ولما أقول لها أنتِ سمعتِ خطبة الجمعة تقول آه فهمتي منها شيء قالت لا، لا تفهم خطبة الجمعة، يعني عايشة في المجتمع وهي ليست جزءا منه، هي جزء من مجتمع آخر، لا تتعلم من هذا المجتمع لأن لغتها غير اللغة وهذا خطر كبير، أيضا مما يهدد اللغة إنه كثير من الأعمال الحكومية وأعمال الشركات.. الشركات التي تأتي تفرض لغة أجنبية على أهل البلد تتعامل بها واللغة العربية مرفوضة أو غير مهمة.. يعني هذا أيضا خطير، انتشار الجاليات غير العربية واستعمالها لغتها في البلد.. يعني أذكر الشيخ الغزالي رحمه الله ذهب إلى إحدى إمارات الخليج يقول أنا فوجئت كان أول مرة يجيء.. فوجئت في المطار أجد الناس لا يتكلمون اللغة العربية، في الفندق لا يتكلمون اللغة العربية، في السوق لا يتكلمون.. يقول دخلت السوق حتى عشان أشتري شيء لم أجد أحد يتكلم، فيقول ذكرت يعني شعر المتنبي حينما دخل شعب بوان وقال:

مغاني الشعب طيب في المغاني بمنزلة الربيع من الزمان

ولكن الفتى العربي فيها غريب الوجه واليد واللسان

فهذه كلها أخطار على اللغة العربية..

عبد الصمد ناصر: على ذكر غريب الوجه واليد واللسان يعني هذا الطفل الذي ينشأ ويتربى في بيئة تتحدث لغة غير لغته الأم ويدرس أو يتم إلحاقه للأسف من طرف والديه الذين يتحملون المسؤولية بمدارس أجنبية ربما لا تدرِّس اللغة العربية سوى ساعتين في الأسبوع كما نعرف في حالات كثيرة، ألا تشكل هذه اللغة الثانية بالنسبة لهذا الطفل فضيلة الشيخ أو بالنسبة للمثقف الذي ينشأ على هذه التربية منفى كما كتب أحدهم؟

يوسف القرضاوي: لا مانع أن نتعلم لغة ثانية بل المفروض أن نتعلم لغة ثانية لأن الإنسان الآن لا يعيش في بلده، العالم تقارب وتقارب حتى أصبح كأنه قرية واحدة، فالإنسان محتاج إلى أن ينتقل فلا تكفيه لغته ولكن الخطر أن تأتي هذه اللغة الثانية وتزاحم اللغة الأم..

عبد الصمد ناصر: على حساب اللغة الأم..

يوسف القرضاوي: ولذلك لابد أن نبدأ باللغة الأم أولا، نركزها في السنوات الأولى، ثم بعد فترة ما نطمئن إلى أن اللغة الأم تركزت وترسخت نعلم.. ليس عندنا مانع من هذا، النبي عليه الصلاة والسلام أمر زيد بن ثابت أن يتعلم اللغة السريانية.. لغة اليهود وقال لا آمنهم على كتب إن هم يترجموا له أو كده، فلابد إنه يعني ناس تتعلم لغة اليهود وناس تتعلم لغة الهنود وناس تتعلم لغة الصينيين وناس.. وخصوصا إحنا عندنا القرآن يقول {ومَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} وإحنا القرآن كتاب عالمي والدعوة الإسلامية دعوة عالمية {ومَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} ليكون للعالمين، فكيف نوصل الدعوة العالمية؟ لازم نوصلها باللغات الأخرى فنحن محتاجون إلى تعلم اللغات لنبلغ رسالة الإسلام العالمية إلى العالم كله مشرقه ومغربه وشماله وجنوبه..

عبد الصمد ناصر: طيب فضيلة الشيخ يعني هذا الطفل الذي ينشأ على هذه التنشئة إلى أي حد نحن مسؤولون عنه سواء كإعلام سواء من طرف الآباء مسؤولية الآباء ومسؤولية الجهات التي تسهر على القطاع التعليمي في هذه البلدان؟

يوسف القرضاوي: المجتمع كله مسؤول عن هؤلاء الأطفال ابتداءً من الآباء والأمهات من الأسرة من البيت ومروراً بالمدرسة.. لابد إن المدرسة تعلم الأولاد اللغة العربية وتحسن تعليم اللغة العربية، أيضا محتاجون نحن إلى الكتاب الجيد وإلى الأسلوب الجيد وإلى المعلم الجيد حتى لا يكره الأولاد اللغة ويكره الأولاد المدرس، إنما إحنا للأسف يعني اللغة العربية جعلنها مسخرة وجاعلين مدرس اللغة العربية أيضا مسخة، أبجد هوّس حط كلمن شكل الأستاذ بقى منسجم مش عارف إيه.. يعني ونجيب لك لما نجيب مدرس اللغة العربية نجيبه إنسان غير طبيعي لابس لبس غير طبيعي ويتشدق في الكلام.. المأذون مثلا المأذون الشرعي مع إن هذا غير حقيقي..

عبد الصمد ناصر: نعم صحيح حتى في الأفلام السينمائية..

يوسف القرضاوي: ليس هو الواقع في المجتمع، إنما هذا كله ليه؟ للاستهانة باللغة الغربية والتهوين من أمرها..

عبد الصمد ناصر: فضيلة الشيخ سنعود إلى هذه النقطة بالذات الاستخفاف اللغة العربية في أوساطها نحن أهل هذه اللغة ولكن بعد أن آخذ هذا الفاصل، نعود إليكم مشاهدينا الكرام بعد الفاصل فابقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

عبد الصمد ناصر: السلام عليكم ورحمة الله وأهلا بكم إلى برنامج الشريعة والحياة حلقة الليلة حول اللغة العربية ومستقبلها، فضيلة الشيخ كان نتحدث عن هذه النظرة التي ربما تسود أحيانا في الكثير من البلدان العربية في بعض الشرائح من المجتمع النظرة المستخفة إلى اللغة العربية إلى المتحدثين باللغة العربية، هل بناء على ذلك يمكن القول بأن هناك خوفا مشروعا على مستقبل اللغة العربية في البلاد العربية؟

يوسف القرضاوي: يعني على كل حال يعني الخوف شيء والهلع شيء.. يعني من حق الناس أن يخافوا وأن يدقوا نواقيس الخطر ويقول أنقذوا اللغة يسِّروا تعليمها اختاروا لها أكفأ المعلمين، أعطوا المعلمين يعني ما يستحقون من رواتب لأنه أحيانا تجد مدرس اللغة العربية يعني يأخذ أقل المرتبات، أنا أذكر في وقت من الأوقات كنت بأقول لهم يعني أبأس الناس الموظفون وأبأس الموظفين المدرسون وأبأس المدرسين مدرسو اللغة العربية والدين لأنه لم يكونوا يأخذون حقوقهم، الآن أعتقد أصبح يعني كل المدرسين..

عبد الصمد ناصر: تساوت مرتباتهم..

يوسف القرضاوي: سواء لكن النظرة الاجتماعية لمدرس اللغة العربية هذا ينبع من احترام الأمة للغتها، حينما تحترم الأمة لغتها خصوصا اللغة العربية.. اللغة العربية هذه لغة عظيمة..

عبد الصمد ناصر: صحيح..

يوسف القرضاوي: يعني إذا نظرت في خصائص هذه اللغة ومقوماتها ومزاياها وعلم الاشتقاق في هذه اللغة وغنى هذه اللغة ووفرة المترادفات والتعبير عن الشيء بتعابير شتى يعني تشوف كم اسم للسيف كم اسم للخمر..

عبد الصمد ناصر: الأسد..

يوسف القرضاوي: كم اسم للبعير أو للجمل وبعدين مثلا كل سن له اسم معين في هذا السن اسمه حوار أو فصيل أو كذا وبعدين بن مخاض بن لبون بن مش عارف إيه، يستمر تلاقي حتى المعاني النفسية الحب والأشياء دي كل مرحلة من المراحل في النفس البشرية لها اسم في اللغة العربية، لا تجد مثل هذا في اللغات الأخرى، إحنا لسنا نقول هذا تعصبا للغة العربية ولكن من دراستنا لهذه اللغة نعلم أنها لغة متميزة ولا عجب أن اختارها الله لينزل بها أعظم الكتب القرآن المعجز الذي أعجز العرب أن يأتوا بسورة من مثله فمن واجب الأمة ألا تستهين بلغتها وأن تعطيها حقها وقدرها..

عبد الصمد ناصر: يعني كثيرا ما يتذرع الذين يتجهون نحو دراسة اللغات الأجنبية والاستخفاف باللغة العربية أن هذه اللغة عاجزة عن مواكبة التطور العلمي بل إن معظم الجامعات في الوطن العربي اللي تدرس العلوم تدرس هذه العلوم بلغة غير العربية، أين الخلل فضيلة الشيخ هنا؟

اللغة العربية والعلوم الطبيعية

يوسف القرضاوي: الخلل في رأس الأمة، في إرادة الأمة، لا توجد إرادة لتدريس هذه.. أنا قلت لك إن الحضارة الإسلامية دا يعني..

عبد الصمد ناصر: نعم صحيح..

يوسف القرضاوي: ألفت في كل العلوم..

عبد الصمد ناصر: في فترة الأندلس..

يوسف القرضاوي: وكانت اللغة العربية في وقت من الأوقات يعنى أما كانوا الأوروبيين يأتون يتعلمون من الأندلس ومن قنوات أخرى تعلم فيها الأوروبيون اللغة العربية وتعلموا العلوم التي كُتبت باللغة العربية وكان الواحد منهم يعني لكي يظهر يعني تفوقه وتقدمه يعني حينما يكلم صاحبه يدخل بعض الكلمات العربية في كلامه كما نرى الآن..

عبد الصمد ناصر: عكس الآن..

يوسف القرضاوي: إن واحد يكلمك يدخل عدة كلمات بالإنجليزية والفرنسية أو الألمانية يعني دليل على أنه يعني رجل مودرن..

عبد الصمد ناصر: متحضر وراقي، نعم، نعم..

يوسف القرضاوي: وراجل مثقف وراجل كذا كانت اللغة العربية هكذا فليس هذا من عجز في اللغة إنما عجز في أهل اللغة عجز في أهل اللغة وحينما درس الأخوة في سوريا الطب لم تعجز العربية عن تدريس الطب..

عبد الصمد ناصر: عجز أهل اللغة فضيلة الشيخ يذكرنا بقوة أهل هذه اللغة أيام الاستعمار سواء هنا في المشرق أو في المغرب حينما كان الاستعمار يحاول تهميش اللغة العربية وفرض لغته، الآن هذا الشعور بالمقاومة وبالسمات لفرض اللغة العربية تراجع بذريعة العولمة فضيلة الشيخ، هل العولمة فعلا تفرض على العرب أن يهتموا بلغات أجنبية على حساب لغتهم الأم؟

يوسف القرضاوي: هو تتجه إلى هذا لكن لا يفرض أحد على أحد شيء، الأمة القوية لا يفرض عليها أحد قرارا والفرد القوي لا يفرض عليه أحد، إذاً الفرد سيد نفسه لا يستطيع أحد أن يفرض عليه ما لا يريده هو، إنما الأمة حينما تضعف.. الاستعمار الفرنسي حينما احتل الجزائر وكان استعمارا يعني استيطانيا يعني يريد أن يفرنس الجزائر وحاول فعلا أن يخفي المقومات الأساسية للجزائر.. المقومات الأساسية الدين واللغة ولكن الشعب قاوم وقاوم علماؤه.. قاوم الشيخ عبد الحميد بن باديس وجمعية العلماء مثال الشيخ بشيري إبراهيم والشيخ التبسي وأمثال هؤلاء وقفوا وألف الشيخ عبد الحميد المليس نشيدا لغرس حب الدين واللغة في الأبناء والتلاميذ، النشيد يقول..

شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب من قال حاد عن أصله أو قال مات فقد كذب

يعني فالدين واللغة مسلم وإلى العروبة ينتسب، فالأمة حينما تصر على هويتها لأن من أعظم مظاهر الهوية ودلائل الهوية اللغة، فالأمة حينما تفرط في اللغة تفرط في هويتها تصبح أمة أخرى تنسلخ من جلدها..

عبد الصمد ناصر: فضيلة الشيخ هناك مشاركات أو أسئلة من السادة المشاهدين نريد أن نعرض لها بسرعة، لو بدأنا بالأخ كمال شكري من ألمانيا، تفضل أخ كمال..

كمال شكري- ألمانيا: تحية لك يا أخ عبد الصمد وتحية خاصة للدكتور العلامة يوسف القرضاوي الذي نستفيد من حلقاته دائما..

يوسف القرضاوي: حياك الله..

كمال شكري: حاجة عظيمة جدا..

عبد الصمد ناصر: نرفع الصوت قليلا..

كمال شكري: السؤال الحقيقة اللعب بالألفاظ في القنوات الفضائية اللي أنا بلاقيه أو أراقبه دائما حتى في الإعلانات يعني عدم معرفة الفرق بين الحضارة لأن الحضارة هي الثقافة، عندما تعلن إحدى شركات المياه والكهرباء أنها حضارة وتقدم، هذا هو تقدم علمي بلا شك إنما الحضارة ليست كوبانية المية وليست شركة الكهرباء..

عبد الصمد ناصر: طيب أخي سؤالك بشكل مباشر أخ كمال..

كمال شكري: الحضارة في وجهة نظري.. الثقافة..

عبد الصمد ناصر: سؤالك بشكل مباشر؟

كمال شكري: الثقافة … السؤال هو أن السؤال يا أخ عبد الصمد هو هل يجوز هذا هل هذا صحيح هل ممكن أن نقول أن يعني شركة الكهرباء والماء هي ثقافة..

عبد الصمد ناصر: يعني حتى لا نحصر حديثنا عن شركة معينة نريد أن نتكلم عن الظاهرة بشكل عام..

كمال شكري: لا أنا أتكلم بشكل خاص يعني بالنسبة للحاجات الثانية المحور الأساسي وهو اللغة العربية كانت في وقت في القاهرة لغة سقوط، يعني لو سقطت في التوجيهية..

عبد الصمد ناصر: لغة ماذا؟

كمال شكري: في الثانوية العامة فيها تسقط في كل العلوم..

عبد الصمد ناصر: سقوط رسوب يعني..

كمال شكري: فهذا بالنسبة لي أنا ده كان قرار سياسي هام قامت به قام به التعليم والثورة في مصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، فأنا ما أعرفش ما يقول ويستند إليه الدكتور يوسف القرضاوي من أن هذا الشيء مهم جدا لأن الخائبين كانوا اللي هما بيخشوا المدارس الخاصة والشاطر كان بيخش المدارس الحكومية لأنها كانت بيصرف عليها وكان يحترم..

عبد الصمد ناصر: الفكرة واضحة أخ كمال، أبو إسحاق الحموي من سوريا تفضل.

أبو إسحاق الحموي- سوريا: السلام عليكم..

يوسف القرضاوي: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..

عبد الصمد ناصر: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..

أبو إسحاق الحموي: احترامي يا أخ عبد الصمد..

عبد الصمد ناصر: يا أهلا وسهلا تفضل يا أخي أبو إسحاق..

أبو إسحاق الحموي: وسلاماتي كمان للشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله..

يوسف القرضاوي: حياك الله يا أخي..

عبد الصمد ناصر: بارك الله فيك..

أبو إسحاق الحموي: لو سمحت لدي مداخلة صغيرة يعني أنا شخص أعمل بالدوحة وهناك من إذا طلبت منه عمل قادني إلى تعلم اللغة الإنجليزية لكي أدخل أعمل عنده يعني وهناك من يتعلم يعني اللغة الإنجليزية ويأخذ مرتب أكثر من الذي يعلم بالعربية..

عبد الصمد ناصر: هو تحدث فضيلة الشيخ عن هذا قبل قليل حول موضوع اشتراط بعض الشركات أن يكون المتقدم للوظيفة..

أبو إسحاق الحموي: حفظه الله.. هناك قنوات تبث الرسائل لو سمحت أخ عبد الصمد..

عبد الصمد ناصر: باختصار أخ..

أبو إسحاق الحموي: هناك كمان قنوات تبث رسائل الغرام يعني مثل شفت رسالة تراني أريد وبيك باشر وحبك متروس يعني هي مش عارف أي قنوات..

عبد الصمد ناصر: طيب على كل حال هذا موضوع آخر، شكرا لك أبو إسحاق راشد العبيدة من سويسرا، تفضل أخي..

راشد العبيدة- سويسرا: السلام عليكم ورحمة الله..

عبد الصمد ناصر: وعليكم السلام ورحمة الله أخي..

راشد العبيدة: جزاكم الله خيرا على هذا الموضوع القيم وأطال الله في شيخنا في عمره وجازه الله خيرا على علمه وعلى فضله علينا، الحقيقة لاحظنا هنا في أوروبا أن في الجانب التربوي.. يعني في التعليم لما يلاحظ عند الطفل في السنوات الأولى من المدرسة في السنة التحضيرية يلاحظ عند الطفل أنه عنده نقص في اللغة الألمانية أو السويسرية أو الفرنسية يعني يبحثون في لغة الأم يقول إن المدخل.. المدخل الأول لأي لغة هو لغة الأم، فيعني واجب الطفل يتعلم لغة الأم لغة الأم ويتقنها حتى يتمكن من الخوض في اللغات الأخرى..

عبد الصمد ناصر: طيب سؤالك أبو راشد أخويا سؤالك باختصار..

راشد العبيدة: السؤال هو يعني في الدول العربية نجد عند الأسر نجد العكس..

عبد الصمد ناصر: نعم نجد الآية معكوسة، تحدثت عن هذا الموضوع شكرا لك..

راشد العبيدة: لا مش..

عبد الصمد ناصر: نعم لضيق الوقت أخويا راشد شكرا لك يا راشد، فضيلة الشيخ يعني لا أدري إن كان لديك أي تعليق أول شيء عن هذه؟

يوسف القرضاوي: نعم؟

عبد الصمد ناصر: لا أدري إن كان لديك أي تعليق على هذه المشاركات؟

يوسف القرضاوي: هو أنا يعني أقول لبعض الأخوة الذين يشكون من استخدام الألفاظ في غير موضعها وعدم التدقيق في المصطلحات وهذا طبعاً مطلوب يعني ولكن هو يتعلق بالثقافة أكثر مما يتعلق باللغة، حينما ترقى الثقافة تدقق في استعمال الألفاظ وخصوصاً الألفاظ التي يعني تعتبر مصطلحات أولها قوة المصطلحات مثل لفظ الحضارة لفظ الثقافة فهذه ولكن نحن بنشكي ما هو أدنى من هذا، نحن نشكو من يعني انفراط عقد اللغة العربية، إن النحو يعني أصبح لا يقام له وزن، تسمع الواحد يتكلم.. فللأسف يعني رفع المفعول وينصب الفاعل وحرف الجر يجر بلد لا يَجُر ما بعده، يعني ما الأولويات.. يعني في علم النحو هذا يعني.. والناس يقول يعني يشتكوا من سيبويه والله سيبويه يعني كان رجل إعجامياً خدم اللغة العربية بما لم يخدمه العرب وإذا كان سيبويه يعني ربما يؤخذ على سيبويه وعلى أصحاب اللغة الأوائل أنهم يعني دققوا في بعض الأشياء وتفلسفوا في بعض عوامل النحو وعوامل كذا ولكن هناك جاء ابن مضاء الأندلسي وجاء بتيسير النحو وهناك يعني محاولات يعني في عصرنا لتيسير قواعد اللغة العربية في النحو والصرف والمجامع العربية تحاول التيسير على الناس وتختار بعض الألفاظ حتى الألفاظ العامية وتقرها لاستعمال الناس لها، هذا كله يعني..

عبد الصمد ناصر: أحد الكتاب فضيلة الشيخ في هذا الإطار كتب يقول لكل من يتعذب من جراء تعلم اللغة.. اللغة العربية أو يشعر بعقدة نقص لعدم إجادته العربية أقول لا تقلقوا فالعيب ليس فيكم ولكنه في اللغة التي لم تشملها سنة التطوير، إلى أي حد هذا صحيح فضيلة الشيخ؟

تجديد الخطاب اللغوي

يوسف القرضاوي: هذا الشخص الذي تكلم عن سيبويه وقال العيب على سيبويه والعيب على يعني هذا كلام لا يؤخذ على الإطلاق اللغة الذنب ليس ذنب اللغة إنما الذنب ذنب أهل اللغة كما قلت، نحن لم نبذل جهوداً كافية في تيسير تعلم اللغة، حصل تيسيرات يعني كان في زمان بنقعد نقرأ إحنا درسنا النحو في القسم الابتدائي والقسم الثانوي في الأزهر ست مرات في كتب أساسية، يعني وإحنا في الابتدائي درسنا النحو أربع مرات شرح الأجرومية وشرح الأزهرية وشرح قطر الندى وبل الصدى لابن هشام وشرح جذور الذهب في شرح كلام العرب.. يعني أربع كتب أساسية درسناها وإحنا في القسم الابتدائي، بعد كده حصل يعني كتب ميسرة، النحو الواضح لعلي الجارم وزميله.. البلاغة الواضحة وجاءت كتب ميسرة وكل عصر يأتي تيسيرات ولكن لا تستفيد الأمة منها كما ينبغي لأن الأمة لم تعط اللغة حقها لأن أحياناً لا تُعتبر اللغة من الأشياء الأساسية التي يُمتحن فيها الشخص فينجح أو يرسب، هذا كله يعني ظلم لهذه اللغة العظيمة التي أكرمنا الله بها.

عبد الصمد ناصر: الاستخفاف باللغة العربية والتوجه نحو الإلمام والتفوق في لغات أخرى أجنبية على أساس أنها لغات حضارة وهذا يأتي طبعاً من باب الانبهار بالحضارة الغربية، إلى أي حد فضيلة الشيخ يضعف هذا التماسك في الشعور نحو الأمة هذا الارتباط بين الفرد وأمته؟

يوسف القرضاوي: ما ده اللي قلناه يا أخ عبد الصمد، إنه إذا هانت الأمة هانت اللغة، الأمة حينما تهون في نفسها أو على نفسها تهون لغتها لأن اللغة هي معبر عن شخصية الأمة وعن قوة الأمة، حينما تشعر الأمة بقوتها تقوى اللغة معها وخصوصاً لغة مثل اللغة العربية وهي لغة عظيمة، يكفي أنها لغة القرآن ويكفي أن هناك يعني بلاد شتى تتعلم اللغة العربية تقرباً إلى الله يعني من غير أن يبذل العرب لهم شيئاً، فاللغة العربية بتنشر نفسها بنفسها.

عبد الصمد ناصر: فضيلة الشيخ هناك الكثير من البلدان الأوروبية التي تمنع أن ترفع لافتات أو لافتات محلات تجارية أو إعلانات بغير لغة البلد الأم وهذا في فرنسا وفي ألمانيا بل إن الرئيس الفرنسي في مرات سابقة وبخ أحد وزرائه حينما توجه إلى بلد من البلدان وخاطبهم بلغة غير الفرنسية، بينما نحن نجد المسؤولية الذين يتوجهون إلى بلاد أخرى يتفننون بإظهار براعته في لغات أخرى..

يوسف القرضاوي: للأسف..

عبد الصمد ناصر: يعني ما الذي نفهمه نحن من هذا الأمر؟ هل نشعر بضعف حينما نتحدث بلغتنا؟ بل إن بعض أفراد المجتمع في بعض البلدان يتحدثون فيما بعضهم فما بينهم داخل المنازل بلغة غير لغتهم الأم.

يوسف القرضاوي: هذا مما يُؤسف له وهذا كله من مظاهر ضعف الأمة ولو أن الأمة شعرت بقيمتها وشعرت بقوتها لاعتزت معها اللغة وارتفعت معها قيمة اللغة وينبغي يعني إنه بداية من الأسرة.. يعني الأب والأم عليهم إنه يخلوا الأولاد يتكلموا باللغة وباللغة العربية واللغة العربية السهلة، في بعض الناس يظن إن كل اللغة العربية كلها مقعرة يعني شديدة وعرة.. لا، طيب ما الجرائد بتكتب باللغة العربية، كل الصحف بأي لغة تكتب؟ باللغة الفصحى وبيقرأها كل الناس، هل يجدون فيها يعني صعوبة؟ الإذاعات والتلفزيونات، الجزيرة بتقدم نشراتها وبرامجها كلها باللغة العربية، ألا يفهمها الناس؟ يعني ادعاء إن اللغة العربية لغة معقدة ولغة صعبة ولغة غير مفهومة هذا غير صحيح.

عبد الصمد ناصر: كيف نعيد فضيلة الشيخ الثقة إلى اللغة العربية؟

يوسف القرضاوي: لابد يتعاون الجميع بداية من الأسرة إلى المدرسة إلى مؤسسات التربية والتعليم إلى الجامعات إلى مراكز البحوث إلى وزارات الإعلام إلى أجهزة الإعلام لأنه في الإعلام أحياناً يعني يأتي برامج باللغة العادية باللغة العامية الدارجة، مش كفاية المسلسلات والأفلام والمسرحيات وهذه الأشياء كلها باللغة العامية، هذا كله مزاحمة للغة العربية، فلو أن الإعلام مع التعليم مع.. فالكل عليهم مسؤولية، إنما المشكل إن أحياناً ألبعض يبني والبعض يهدم وكما قال الشاعر متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم، خصوصاً الهدم أسهل من البناء، الهدم في عصرنا بالألغام مش بالفأس أو بالمعول، فالهدم سهل وشديد وهو خطر جداً وعلينا أن نعلم الأمة كيف تحافظ على لغتها لتحافظ على هويتها وشخصيتها.

عبد الصمد ناصر: بارك الله فيك فضيلة الشيخ، للأسف الوقت ضيق، موضوع يستحق أكثر من ذلك، شكراً لك وشكراً لكم مشاهدينا الكرام وفي الختام لكم تحيات منصور طلافيح في الإخراج ومعتز الخطيب في الإعداد ولنا لقاء آخر في الأسبوع القادم بحول الله.


****************


أخطار تهدد لغتنا .. اللغة العربية تحتل المرتبة العاشرة عالميًّا.. مشروع المدوّنة اللغوية ..

كتبهاأنس فجال ، في 19 ديسمبر 2008 الساعة: 15:38 م

122970

قال الباحث والمتخصص باللغة والحاسوب، عدنان عيدان، إن اللغة العربية التي ينطق بها مئات الملايين تحتل المرتبة العاشرة في العالم من حيث الاستخدام وذلك في مؤشر على ضعفها بسبب الضعف التي تعيشه الأمة العربية.

العربية في المرتبة العاشرة

ورأى الباحث عيدان أن اللغة العربية تعيش أزمة هي أزمة الأمة علما أن اللغة كائن متطور لديه قدرة إيجاد الحلول، ولكنها في أزمة قوية الآن، والمشكلة أنها أزمة أصبحت تخص الهوية وليس فقط الأدب والعلم، وضعف العربية يرجع إلى أن الأمة العربية ضعيفة الآن عكس اللغة الإنجليزية التي هي الأولى في العالم- على حد قوله.

وقال هناك الآن في العالم العربي من يأنف استخدام العربية ويفضل تكلم الانجليزية والفرنسية وذلك كنوع من الافتخار، مشيرا إلى أن اللغة العربية التي عدد كلماتها 500 مليون كلمة ويتكلمها مئات الملايين هي في المرتبة العاشرة في العالم مثل الإيطالية.

واشار عيدان إلى أنه قبل القرآن لم تُكتب العربية إلا في القصائد والمعلقات الجاهلية، وفي القرآن جاءت اللغة واضحة وناضجة في فترة زمنية قصيرة في حين أن أي لغة تحتاج لألف عام حتى تنضج، وكان أول شاعر استخدم كلمة استضاء في عصر الرسول وهو كعب بن زهير، لذلك العربية نضجت في 200 إلى 300 سنة.

وفي موضوع أخر، تحدث عادل عيدان عن مشروع مدونة اللغة العربية لديه، وقال إنه مشروع يقوم على إحضار الكتب وإفراغها بالحاسوب ومعالجتها ثم إخراج الكلمات بشكل مفرد، والابقاء على الكلمات المتكررة بالاستعمال والاستخدام وعدد مرات استخدامها من أجل إدخالها في معجم وهذا موجود في اللغة الإنجليزية منذ عام 1970 ويعرف بـ حوسبة اللغة.

وأضاف يتم تحفيظ الشخص في بريطانيا ومنذ عمر أربع سنوات عشر كلمات يوميا حتى عمر 16 عاما، وهي كلمات منتقاة من أكثر الكلمات استخداما فيصل للمرحلة الجامعية وفي عقله الرقم المطلوب من الكلمات التي تؤهلة لدراسة الطب أو القانون وغيرها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعليق : نرفض هذا الترتيب ؛ لأنه تمّ بناء على اعتبارات مخصصة ، وإلا فإنّ اللغة العربية هي الأوسع انتشارًا في العالم ، كما أعجبني مشروع المدونة اللغوية التي ستفتح آفاقًا عظيمة في تعليم اللغة للأطفال ولغير الناطقين بها . فإذا استطعنا عن طريق حوسبة اللغة أن نضع أيدينا على الكلمات الأكثر استخدامًا في لغتنا منذ العصور القديمة إلى عصرنا هذا - سهلت علينا مهمّة التلقين والتعليم ، واستطعنا أن ننشئ قاعدة من الكلمات الأساسية نلقنها للأطفال منذ الصغر . اهـ . أنس فجال

الرابط الأصلي للموضوع :

http://www.alarabiya.net/articles/2008/12/17/62224.html

مدونة : أنس فجال ، استراحة في ظلال اللغة

****************

أخطار تهدد لغتنا .. ( 5 ) اللغة العربية في خطر أم في تطور ؟! ( تقرير ) ..

كتبهاأنس فجال ، في 4 يونيو 2008 الساعة: 15:44 م

444sal

اللغة العربية في خطر أم في تطور؟

في ظل الصيحات الأخيرة لحماية اللغة العربية من الانقراض علينا أن نتساءل هل اللغة العربية حقا في خطر أو في طريقها إلى الانقراض؟ وماذا وراء الربوة من أمر جعل كل مثقف ولغوي وحتى صاحب الميل السياسي القومي ينتفض من أجل الحفاظ على الهوية التي تمثل اللغة الأم لبنتها الأولى؟

لقد طالبت المجمعات اللغوية العربية مؤخرا -في ظل هذه المخاطر كما أسمتها- وسائل الإعلام العربية ورجال الدولة استخدام اللغة العربية السليمة لأنها الوسيلة الوحيدة -في نظرهم- التي تجعل من الشعب العربي اتحادا عالميا أمام التكتلات الأجنبية وإلغاء الثنائية بين اللغة العربية واللغات الأجنبية.


* أخطار ثلاثة :

يرى الدكتور العلامة يوسف القرضاوي أن هناك أخطارا ثلاثة على اللغة العربية:

الخطر الأول هو خطر اللغات الأجنبية التي تزاحمها وتهددها في عقر دارها،

والخطر الثاني هو خطر العامية المحلية التي يروج لها الكثيرون والتي أصبحت تنتشر الآن حتى في أجهزة الإعلام والتي يطالب البعض بأن تكون لغة تعليمية،

والخطر الثالث هو خطر اللحن والأغلاط اللغوية حتى في اللغة الفصحى التي يؤديها الخطباء والكتاب والمذيعون وغير ذلك.

وقال الدكتور على فهمي خشيم -رئيس مجمع اللغة العربية في ليبيا للجزيرة نت في اتصال هاتفي- إن المدارس الأجنبية والتي أصبحت منتشرة الآن بشكل كبير في العالم العربي أدت إلى ضعف المستوى التعليمي العام وانحطاطه، حيث لا تعطي هذه المدارس النشء ما يكفي من تعلم الدين واللغة العربية، مما يزيد الهوة بينه وبين لغته الأم وكأنه لم يعد عربياً، بالإضافة إلى عدم استخدام الجامعات اللغة العربية في مجال العلوم والطب والهندسة والصيدلة حيث يعزون السبب إلى عجز العربية عن استيعاب العلوم.

ولا شك أن رأي مفتي الديار المصرية الشيخ الدكتور علي جمعة في البحث الذي قّدمه في الجلسة الأولى لمؤتمر “لغة الطفل العربي في عصر العولمة” في مقر جامعة الدول العربية في المدّة من 17 ـ 19/2/2007 م بأن اللغة العربية التي يبلغ عمرها ألفي عام تقريباً لم يتعهد الله بحفظها ولهذا فهي عرضة للتغيير, خيب آمال من كان يظن أنها لغة مقدّسة ولا يمكن أن تنقرض كبقية اللغات.

ولعل ما زاد الحدة لدى البعض أن اللغة العربية ربما تكون من بين اللغات التي ستنقرض بناء على ما أشار إليه تقرير لليونسكو في العام 2006 م والذي ذكر أن هناك لغات ستموت من بينها العربية، وهو ما أشعل القلق أكثر في نفوس الكثيرين من الغيورين على لغتهم خصوصا إذا ارتبطت بالهوية والحضارة التي ربما تندثر هي الأخرى.

حتى أن الدكتور عبد الوهاب المسيري ومجموعة من المثقفين والمهتمين بالهوية السياسية العربية رفعوا قبل أسبوع دعوى ضد الرئيس المصري ورئيس وزرائه بعدم التزامهما باستعمال اللغة العربية وخروجهما بذلك عن نص الدستور المصري الذي ينص على أنها هي اللغة الرسمية للبلاد.

إلا أنه في ظل هذه المخاوف فإن بعض المفكرين يتكلمون عن موت اللغة بالمعنى الوضعي للكلمة أي الانقراض النهائي من الوجود، وهو ما قاله شبلي شميل في كتابة “فلسفة النشوء والارتقاء” الجزء الأول.

وهو أيضاً ما يقوله جبور عبد النور بالمعجم الأدبي وهو إنه “عندما تهجر اللغة اللسان بحالة من حالاتها يظن الناس أن هذه اللغة أو تلك قد ماتت” وهم في هذه الحالة ينظرون إليها وكأنها تطورت وأصبحت اليوم في أرقى حالة مما كانت في الماضي، أي أن اللغة تتطور على أنقاض كلمات قديمة.

فهل تنقرض العربية الجميلة وتقوم العامية مكانها بحسب هذا الرأي؟

سيدي محمد / الدوحة / قناة الجزيرة


مدونة / أنس فجال

ooolooo@hotmail.com

الرابط الأصلي للموضوع
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/1…81B23208EE.htm

*******


أخطار تهدد لغتنا .. اللغة العربية بين أزمتين ..

كتبهاأنس فجال ، في 17 ديسمبر 2008 الساعة: 23:39 م

122955

اللغة العربية بين أزمتين

لغةُ الأمة ميزانٌ دقيق ومعيار أساس في حفظ الهوية وتحديد الذات، فهي شريان الأمة وعنوان الحضارة ومصدر عظيم من مصادر القوة، وإذا أضاعت أمة لسانها أضاعت تاريخها وحضارتها، كما تضيّع حاضرها ومستقبلها.

اللغة من أهم ملامح الشخصية الإنسانية إن لم تكن أهمها، اللغة هي التي تربط المرء بأهله وأمته ودينه وثقافته، فهي التأريخ وهي الجغرافيا، اللغة مظهر من مظاهر القوة والابتكار في الأمة، فإذا ضعفت قوة الابتكار توقفت اللغة وإذا توقفت اللغة تقهقرت الأمة، وإذا تقهقرت الأمة فذلك هو الموت والاضمحلال والاندثار.

إن شواهد التاريخ قديمها وحديثها تُظهر بجلاء أنه لم تتقدم دولة ولم تشد حضارة مالم تكن العلوم والتعليم بلغة الأمة نفسها لا بلغة أجنبية عنها.

وفي شواهد التاريخ أيضاً لقد استطاعت لغة القرآن الكريم أن تحقق متطلبات المجتمع التاريخية عبر الأحقاب المختلفة في كل المستويات، الدينية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية.

الدولة الإسلامية على مرّ عصورها لم تفتنها لغات الأمم الأخرى، على الرغم من حضارتها المادية كفارس واليونان، بل زادهم ذلك تمسكاً وحرصاً. والعجيب في هذا التاريخ الإسلامي العظيم وهذا الدين الأخّاذ أن أبناء الأمم الأخرى هم الذين كانوا يتسابقون إلى تعلّم لغة القرآن، لغة الدين والعلم، بل هم الذين نبغوا فيها وشاركوا على نحو مدهش في وضع قواعدها وجمع معاجمها انطلاقاً من الشعور الإسلامي الرائع الذي أحلّ لغة القرآن أرفع المنازل لأنها لغة الدين والتنزيل.

وإذا كانت لغة القرآن ولغة الإسلام بهذه القوة وبهذه المقدرة وبهذه المنزلة فلا غرابة أن تكون مستهدفة من أعدائها، فلقد علم المشتغلون بدراسات التاريخ المعاصر والمتابعون لمسيرة الاستعمار وسياساته أن التهجم على اللغة والتهوين من شأنها والسخرية من المشتغلين بها والتحكم بها في وسائل الإعلام والقصص والروايات والمسرحيات في سياسات مرسومة وحملات مكثفة، ثم تلقف ذلك من بعدهم وعلى طريقتهم أذناب وأُجراء وعملاء، نعم ليس من المستغرب أن تتعرض لغة شعب من الشعوب في مرحلة الغزو والاحتلال إلى الإذابة والمحو، لأن اللغة مَعْلمٌ بارز في تحديد الهوية وإثبات الذات، فكيف إذا كانت اللغة هي لغة القرآن ولسان الإسلام، وقد يكون من غير الحصيف أيها الإخوة أن نلوم أعداءنا فيما يقومون به من أجل مصالحهم وتحقيق أهدافهم وسعيهم في تحطيم غيرهم، ولكن الأسف والأسى أن يصدر ذلك ويتبناه فئات من بني قومنا تعلقوا بالأجنبي وولوا وجوههم شطره ثقافياً وفكرياً وأصبحوا ينظرون إلى ثقافة الإسلام بازدراء وإلى لغة القرآن باحتقار، والأجنبي لم يضمن ولاءهم اللغوي فحسب، ولكنه ضمن ولاءهم الفكري والسياسي، لماذا هانت علينا أنفسنا، وهانت علينا بلادنا وهانت علينا لغتنا، لغة ديننا ولغة قرآننا؟!

إن ما أصاب الأمة من ركود في الفكر وضعف الثقافة حتى آل الأمر إلى هذه التبعية المشينة، إن الأزمة أزمة عزة لا أزمة لغة وأزمة ناطقين لا أزمة كلمات، لم تضعف اللغة ولم تعجز ولكن ضعف أباؤها وقصّر حماتها، إن من الظلم والحيف أن يتهم هؤلاء الأبناء العاقون الكسالى لغتهم من غير حجة ولا برهان، ضعاف في أنفسهم مهازيل في طموحاتهم، يرهبون أنفسهم بثورة المعلومات وترتجف قلوبهم لتقدم التقنيات، مسكين هذا المثقف الذي ضعف وتخاذل فشرّق وغرّب يفتش لعله يجد له ملجأ أو مدخلاً، ما الذي يريده هؤلاء المساكين؟!

هل يريدون أن ينسلخوا من هويتهم فيهاجروا بألسنتهم وعقولهم إلى أعدائهم ويتحولوا إلى مخلوقات تفكر بعقول غير عقولها ورطانة بلسان غير لسانها.

ويزداد الضعف ويتجلى الهوان عند هؤلاء المشككين حين يتفوهون بقولهم إن استخدام لغة الأمة قد يسبب عزوف الطلاب عن إتقان اللغة الأجنبية مما يؤدي إلى ابتعادهم عن الأبحاث الجديدة والتطور السريع، ويحدثك آخرون عن سوق العمل فترى مخذولين مبهورين يفاخرون في بعض كلياتهم وأقسامهم لأنهم يدرسون جميع العلوم لديهم بلغة الأجنبي بحجة أن سوق العمل يتطلب ذلك، وهي حجج يعلم الله ويعلم المؤمنون ويعلم العقلاء أنها واهية، بل هي والله أوهى من بيت العنكبوت لو كانوا يعلمون.

وما أشبه الأجواء الثقافية لعهد العولمة الحاضر بالأجواء الثقافية بعهد الاستعمار الغابر من حيث تسويغ الاستلاب الثقافي والديني عن طريق الهجوم الشرس على اللغة وزعزعتها في حياة الأمة وإحلال اللغة الأجنبية بمسوغات بالية.

إن من الغفلة الشنيعة: الزعم بأن مصلحة السوق ودواعي الاستثمار تتطلب لغة أجنبية، فكل بلاد العالم ولاسيما المتصدرة منها لا يمكن أن تؤثر شيئاً على لغتها مهما كانت الأسباب والدواعي والدوافع، أما كان الأجدر بهؤلاء إن كانوا وطنيين مخلصين أن يجعلوا تحدث لغتنا شرطاً في العمالة الوافدة، بدلاً من إجبار أبنائنا أن يتحدثوا لغة أجنبية من أجل هؤلاء الوافدين، إنها والله انتكاسة عجيبة.

لقد ظهرت دعوات تطالب بتعليم اللغة الأجنبية للأطفال الصغار من الصفوف الأولى، وعلت نداءات تدعو إلى تدريس لغة الأجنبي في جميع العلوم، وتعالت أصوات تريد جعل اللغة الأجنبية شرطاً لتحصيل الوظيفة أو العمل، إنه لابد في الأمة من شموخ لا يحني هامته لإغراءات وضع اقتصادي طارىء، أو آليات سوق عابر، أو مكاسب وقتية عاقبتها الهلاك والدمار والذوبان والاندثار، إن من التناقض الصارخ والغفلة القاتلة أن يتحدث روّاد الفكر والمثقفون عن استنبات التقنيات والعلوم وهم في الوقت نفسه يصرون على الدعوة إلى تدريس العلوم والتقنيات باللغة الأجنبية، والتي لن يتقنها المتعلمون من غير أهلها، ولو أتقنوها ـ عياذاً بالله كما يتقنها أهلها ـ فقل على الأمة وعلى لغتها، بل على وجودها السلام.

إن الحل والسلامة والحصانة والمشاركة الحقيقية في البناء وسلوك مسالك التقدم الصحيح والنظيف هو التصدي لخطر الإذابة بالعمل المنظم الجاد بعيداً عن الشعارات الجوفاء والكتابات الخرساء، ضد محاولات الإذابة وطمس الهوية، ومن ثم المشاركة في البناء ومعطيات الحضارة الصالحة النافعة، إن كان في الأمة غيرة وإن كان ثمة صدق وجد في خدمة الدين والأمة واللغة فالطريق واضح، والمحجة بيّنة.

الأمة تحتاج إلى سياسة لغوية، فليست المشكلة ولا القضية في المعرفة النظرية لقواعد اللغة وأصولها، بل الذي يحتاجه عموم الناس والمتكلمون هو الكفاءة اللغوية في النطق والكتابة والتعبير، نحتاج إلى سياسة لغوية تنسيق عمل المؤسسات المعنية باللغة وخطاب الناس ولاسيما الإعلام بوسائله، والتعليم بمناهجه وطرائقه، فتكون الفصحى الميسرة هي الهدف المنشود التحقيق، وحينئذ لا تكون اللغة مادة دراسية مجردة مفردة معزولة محصورة بين حيطان قاعات الدراسة في ساعات محدودة، بل يجب أن تكون هي لغة الحياة في كل ميادينها.

إن قوة اللغة واستمرارها بإذن الله يعتمد على وعي الأمة وحرصها على رعايتها وحمايتها وانتشارها واليقين الجازم بأنها صالحة لمقتضيات الحال، قادرة على متطلبات الوقت ومعطيات التحضر ومستجدات التطور، وتلك أهداف كبرى تخطط لها الدولة المحترمة والأمة العظيمة، فتقيم المؤسسات المتخصصة وتبني مراكز البحوث المتقدمة وتؤسس الهيئات الفنية لتعليم اللغة وتطوير أساليب تدريسها وترجمة المصطلحات الأجنبية، لابد أن يبقى للغتنا شموخها ولابد من تقوية المناعة الذاتية في جسم أبناء الأمة، والاعتزاز بالدين والتعامل مع اللغات الأجنبية ببصيرة وحسن استفادة من غير ذوبان، يجب أن نعلم أننا بحاجة إلى الأمن اللغوي كما أننا بحاجة إلى الأمن الفكري والغذائي والمائي، فكل أولئك من ضروريات الحياة والعيش الكريم.

هذا هو الطريق وذلك هو المسار، وعلى الله قصد السبيل وكفى بربك هاديًا ونصيرًا .

معالي الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد

المصدر : المجلة العربية ، عدد ( 297 ) ، شوال 1422هـ

مدونة أنس فجّال : استراحة في ظلال اللغة

www.anasmf.maktoobblog.com

******************

مظاهر الغزو الثقافي في القرن العشرين في فترة النصف الثاني من القرن العشرين كانت مظاهر الغزو الثقافي الغربي للعالم العربي وآلياته تتمثل في فساد القيم الفكرية والاجتماعيـة التي انتشرت مع الاستعمار، وإضعاف الشعور بالقومية وانحلال الحاسة الوطنيـة عند بعض الأدباء والمثقفين، حيث تسرّب الغزو الثقافي عن طريق غزو اللغة إلى الأدب وكان أثره خطيراً على أصحاب المواهب الأدبية، كما يقول المفكر المغربي عبد الكريم غلاب (الأدب والغزو الثقافي، ص 37).

************


وظهر الغزو الثقافي في مجال الأدب فكم ظهرت من دعوة في العالم الإسلامي تنادي بتبني المذاهب الأدبية الغربية في الكتابة وفي النقد حتى غفلنا أن لنا تاريخاً عظيماً ولغة من أعظم اللغات في العالم. ومن العجيب أن اللغة العربية التي كتبت وقيلت منذ أكثر من ألف وخمسمئة سنة يمكننا أن نفهمها في العصر الحاضر بينما لا يمكن للناطقين باللغة الإنجليزية مثلاً أن يفهموا ما كتبه شكسبير أو ملتون. بل إن عند الإنجليز ما يطلقون عليه اللغة الإنجليزية المتوسطة ومنها التي كتـب بها تشوسر "حكايات كونتبري". نعم قد يصعب على بعض العرب فهم بعض المفردات العربية في الشعر الجاهلي أو في المقامات أو في بعض ما كتبه الجاحظ وهذا ليس لأن اللغة تغيرت، ولكن لأن قدراتنا اللغوية ضعفت، كما أننا لم نعلّم أبناءنا استخدام المعاجم. ومن الغريب أن الأوروبيين يعلمون أبناءهم استخدام معاجم اللغة من المرحلة المتوسطة وربما الابتدائية.

ومن يريد أن يعرف ما حدث في ذائقتنا الأدبية فعليه الرجوع إلى كتاب الشيخ محمود شاكر (رسالة في الطريق إلى ثقافتنا). وقد أُفسِدت الذائقة أكثر فاكثر عندما شاع ما يطلقون عليه الحداثة وما أسميه أحيانا الكلمات المقطّعة.

ومن الغزو الثقافي اللغوي أننا في معظم جامعاتنا العربية الإسلامية ما زلنا ندرّس العلوم والطب باللغات الأوروبية ن فهل عجزنا أو عجزت اللغة العربية أن تكتب بها هذه العلوم. وها هو الدكتور زهير السباعي يكتب تجربته في تعليم الطب باللغة العربية فيذكر إحصائيات دقيقة أن المصطلحات الطيبة في الكتب التي تدرس الطب لا تتجاوز ثلاثة بالمائة من المادة العلمية. وقد أدركت هذا وأنا أساعد ابني في مادة تجهيز المختبرات في كلية التقنية الطبية. فمن العبارات التي وردت باللغة الإنجليزية أن حجرة المختبر يجب أن تكون جدرانها مطلية بلون كذا ن وأن تكون سعتها كذا وغير ذلك من المعلومات التي يمكن بكل سهولة قولها باللغة العربية . وكذلك الحال في مواد أخرى.


***********

مظاهر وآليات الغزو الثقافي في الفكر العربي المعاصر


شاكر النابلسي

عندما كنا سادة العـالم والقوة العظمى فيه، استطعنا أن نفرض ثقافتنا في العصر الأموي والعصر العباسي على باقي شعـوب العـالم التي دانت لنا. ولم يقم من بيننا من قال لنا إننا نغزو العالم ثقافياً، وعلينا أن نكف عن هذا الغزو المُشين، وتصدير الفكر- وكان أيامها متمثلاً بالإسلام وعقيدته - المُهين إلى الآخرين. كمـا لم يجـرؤ أحد من البلدان المفتوحة على أن يُطلق على الإسلام وشرعه آنذاك "الأفكار المستوردة".

فهل أصبحت الثقافة العربية ثقافة واهنة هشَّة كقلاع البسكويـت بحيث تتهاوى أمام أرق الضربات الثقافية وأكثرها نعومة؟

وضع مترهل لا يصدُّ غزواً

يبدو أن الأمر كذلك باعتراف كثير من المفكرين العرب الذي قال أحدهم بأن "الوضع الراهن لثقافتنا وضع مترهل، لا يصمد أمام مثل هذا الغزو" ( محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر، ص 76). ويبرر بعض الباحثين كالمنجي الكعبي هذا بقولهم، أن وسائلنا الإعلامية آنذاك كانت أكثر إقناعاً وحُسنى، وأكثر خيراً من وسائل الغرب في نشر ثقافته. فلم تكن – كما هي الحال في الثقافة الغربية – تقتحم البيوت دون استئذان، ودون حوار. (وسائل الإعلام الغربية والاستلاب الثقافي، ص98). وردنا على هذا: لو كان في صدر الإسلام وفي العهد الأموي والعباسي تلفزيونات وفضائيات وأقمار صناعية وشبكات إنترنت وبريد إليكتروني لفعلنا بالشعوب المفتوحة ثقافياً ما يفعله الغرب فينا الآن. وعلينا أن نقيس دائماً الأشياء بمقاييس العصر الذي تأتي فيه.

هزالنا الثقافي يُطلق صيحاتنا العالية

ولولا هذا الهُزال الثقافي الذي نحن فيه لما كـانت صيحاتنا وردود فعلنا على هذا النحو من العلو والعنف والاستكبار والتعالي ونفخ الذات والظهور دائماً بمظهر الطواويس الثقافية التي تختال في الخمائل نافشةً ريشها، مطلقةً صيحاتهـا التي يرددهـا بعض المفكرين دائماً على نحو: " نحن سليلو أمجاد ثقافية كبرى. نحن مركز إشعاع حضاري إنساني، نحن الذين نقلنا الحضارة الإنسانية إلى أوروبا ونحن أساتذتها. نحن الذين نتكلم اللغة العربية المقدسة الجميلة الغنية. نحن الذين احتفظنا دائماً في مجتمعنا للشاعر والمثقف وللعالم بأرفع مكانة. ونحن الذين طلبنا العلم ولو في الصين"، كما يقول الباحث السوري حسام الخطيب (الثقافة العربية الراهنة وآفاق تطورها في مواجهة أشكال الغزو الثقافي، ص 65).

ما سرُّ فرادة الثقافة العربية؟

ويتساءل بعض المثقفين العرب المعاصرين عن سر هذه "الفرادة" في الثقافة العربية فيما يتعلق بتعاملها مع الثقافات الأخرى، ورفضها الانفتـاح الآن على هذه الثقافات الأخرى. ويجيبون بقولهم على لسان المفكر السعودي تركي الحمد: " نعتقد أن الثقافة العربية تعتقد العلوية في ذاتها، وإن كانت تدرك حسياً أنها ليست كذلك في هذه المرحلة من التاريخ على الأقل. والإحساس بالعلوية يجعلها تتقوقع على ذاتها وعلى أصولها المُدَّعاة الثابتة خشية الاحتراق ومن ثم الذوبان في الثقافات العالمية الجديدة مما يفقدها أصالتها وبالتالي أحقيتها في العلوية وقدرتها على السيادة والصدارة. إنه هاجس العلوية والصدارة والسيادة العالمية للثقافة العربية هو ما يعيقها عن الاندماج في العصر والاستفادة من منجزات الثقافة الحديثة والمولّد لتلك الإشكاليات الشكلية التي لا نجدها إلا في الثقافة العربية بشكل مركَّز ومبالغ فيه مثل إشكالية الأصالة والمعاصرة، والقديم والجديد والدين والدولة وغيرها من الإشكاليات" ،(الثقافة العربية أمام تحديات التغيير، ص 47-48). وهذا ما سبق وقلناه قبل قليل عن ظاهرة الطاووسيّة في الثقافة العربية، والمتمثلة بهذا التعالي والتكابر والتفاخر والاستكبار والسيادة العصبية.

صياح الثقافة الأوروبية

فأوروبا عندما أخذت منا في القرن الرابع عشر والخامس عشر، وترجمت إلى اللغة اللاتينية التراث العربي – الإسلامـي والتراث اليونـاني الذي كان محفوظاً لدينا بالعربية – بعد أن ترجمناه في العصر العباسي – وفتحت آفاق ثقافتهــا للثقافة العربية، لم يصح مفكروها، ولم تصح نخبتها صيحاتنـا. ذلك أن الثقافـة الأوروبيـة كانت واثقة من نفسها وتحضِّر نفسها لكي تصبح سيدة الثقافة العالميــة، بعد أن كنا نحن في القرن العاشر الميلادي وما قبل ذلك سادة الثقافة في العالم.

وهذا ليس حال الثقافة العربية فقط، بل هو حال بعض الثقافـات الأوروبية التي أحست بالخطر أمام الثقافة الأمريكية كالثقافة الفرنسية مثلاً. فقد بدأت صيحات المثقفين الفرنسيين تتعالى أكثر وأكثر لإيجاد طريقة لإيقاف هذا الغزو الثقافي الذي يدخل البيوت والغرفات، دخـول الهواء والنور.

مظاهر الغزو الثقافي في القرن العشرين

في فترة النصف الثاني من القرن العشرين كانت مظاهر الغزو الثقافي الغربي للعالم العربي وآلياته تتمثل في فساد القيم الفكرية والاجتماعيـة التي انتشرت مع الاستعمار، وإضعاف الشعور بالقومية وانحلال الحاسة الوطنيـة عند بعض الأدباء والمثقفين، حيث تسرّب الغزو الثقافي عن طريق غزو اللغة إلى الأدب وكان أثره خطيراً على أصحاب المواهب الأدبية، كما يقول المفكر المغربي عبد الكريم غلاب (الأدب والغزو الثقافي، ص 37).

ولقد أعطى الفكر العربي معنىً للغزو الثقافي متمثلاً بالهيمنة الثقافية بواسطة الإعلام ووسائله المتطورة التي غدت لا تعرف الحدود والحواجز كوسائـل البث التلفزي عبر الأقمار الصناعية، فضلاً عن الإذاعات والأفلام السينمائية والتلفزية ومسجلات الفيديو.

العيب فينا والخطأ منّا

ألم نستطع تحدي جانباً من الإعلام الغربي بقناة واحدة (الجزيرة) أنشأناها في قطر، وهي قناة إخبارية استطاعت في فترة قصيرة أن تخطف من القناة الأمريكية الإخبارية CNN ملايين المشاهدين في العالم العربي وخارج العالم العربي، لا لشيء إلا لأنها تمتعت بقسط من حرية الإعلام المحرومة منها باقي محطات التلفزيون العربية الرسمية.

وما بالنا ومنذ الخمسينات، لا نصدّق ولا نثق بأخبار أية إذاعـة عربيـة غير إذاعة واحدة أجنبية وهي القسم العربي في الـ BBC البريطانية؟

وكيف لنا أن ننصرف عن الفيلم الأمريكي وقد وصل إلى قمة صناعـة السينما، في حين وصلت السينما العربية والمصرية على وجه الخصوص أدنى درجات الإسفاف والانحطاط. وأصبح من النادر جداً أن تجد فيلماً عربياً يستحق المشاهدة؟

فمن المعروف أن السينما المصرية على وجه الخصوص قد انحطت بعد السبعينات من النصف الثاني من القرن العشرين انحطاطاً كبيراً، وظهرت موجة إنتاج سينمائي تُدعى بـ "أفلام المقاولات" وهي مجموعة من الأفلام الهابطة جداً التي لا تصلح للمشاهدة إلا من قبل طبقة متدنية جداً اجتماعياً وثقافياً.

إذن، فالعيب فينا وفي ضعف ثقافتنا الهشَّة الهزيلة، وليس العيب في الثقافة القادمة الغازية والمطلوبة في الوقـت نفسه، والتي غدت كطعام البخيل: مأكول مذموم.

ذم الثقافة الغربية

وعلينا أن نلاحظ أن هذا الـذم، يأتي دائمـاً من فئتين اثنتين فقـط، وليس من عامة المتلقين والمستهلكين الحقيقيين لهذه الثقافة. وهاتان الفئتان هما: رجـال الدين، والمثقفون القوميون المتعصبون للعروبة. وهو ما عبَّر عنه تركي الحمـد في كتابه السابق، بقوله: "إن الموقف الثقافي العربي من الثقافة الغربية العالمية هو موقف أيديولوجي، ينطلق في تعامله معها من مفاهيم الرفض والشك المطلقين وطلب السيادة والصدارة لذاتها، أي للثقافة العربية"، (ص 48).

الاستعمار والغزو الثقافي

يميل بعض المفكرين إلى القول، أن لا علاقة للاستعمار السياسي والعسكري بالغزو الثقافي. ويقولون بأن الغزو السياسي والاستعمار الحضاري لا يفرض بالتبعية عملية احتلال ثقافي. فالاستعمار العثماني لم يفرض ثقافته بقدر ما سادت في هذا العهد الثقافة الأوروبية. أما في مصر فرغم الاستعمار الإنجليزي الذي دام من العام 1882-1954، إلا أن الثقافة الغربية السائدة في مصر كانت الثقافة الفرنسية في الدرجة الأولى. (أنظر: حامد ربيع، الثقافة العربية بين الغزو الصهيوني وإرادة التكامل القومي، ص11).

لقد اعتُبرت الاستجابة لدى المواطن العربي إلى رنين الأجراس الآتية من كل جهة أو مكان تتواجد فيه الظاهرة الاستعمارية من مظـاهر الغزو الثقافي. ذلك أن مخططاتها تقوم في الأساس على خلق الاستعداد لدى الإنسـان العربي للانسلاخ عن جذوره وتقبُّل وضعه المستلب الجديد بعد مرحلة طويلة من غسيل المخ المتواصلـة، وفق برامج تسهم فيها كل أجهزة الاستعمار الثقافية والسياسية، كما يقول فوزي البشتي (الثقافة العربية الراهنة وآفاق تطورها في مواجهة أشكال الغزو الثقافي، ص 110).

الغزو الثقافي ليس خارجياً فقط

ويلفت نظرنا بعض المفكرين العرب كالمصري محمود أمين العالم، إلى أن الغزو الثقافي ليس غزواً خارجياً فقط، وإنما هو غزو ثقافي يأتينا من داخلنا أيضاً. ويعتبرون أن محنـة الثقافة لم تتأتَ من الغزو الثقافي فقط، وإنما هي متأتية "من بُنيتنا الثقافية الخارجية. وتفرزها الهياكل السياسية والاقتصادية والرجعية التابعة والسائدة. وهي الُبنية الثقافية التي تمهد لاستقبال الثقافة الصهيونية والإمبريالية، بل واستنباتها"، (مساهمة في التمهيد لوضع مشروع استراتيجية ثقافية، ص 10).

لا غزو ثقافياً وإنما غزو الاستهلاك والانحلال

ويقول بعض المفكرين العرب الليبراليين كإلياس مرقص، أن الغـزو الثقافي الغربي لا يتمثل بالثقافة الغربية التي تمثلها رموز الفلسفة والأدب والفكر الغربي، ولكن هذا الغزو يتمثل "بالويسكي والسيارات وأفلام الفيديو الخلاعية. فالذي يغزونا هو مجتمع الاستهلاك والانحلال والتغرُّب. وهذه قضية سياسية واقتصادية واجتماعية، ناتجة عن حضارة السيادة في الغرب التابعة لإنتاج النفط"، (الغزو الثقافي في الوطن العربي وخلق أدوات المقاومة، ص 20). ومن خلال ذلك يتبين لنا أن الأجواء الاجتماعية والاقتصادية العربيـة تتقبل مثل هذا الغزو وترحب به وتستهلك مظاهره. وأن المحتجين على هذا الغزو هم كما قلنا سابقاً فئتان: المؤسسة الدينية ، والمؤسسة الأيديولوجية.

في حين يعتبر بعض الباحثين كعماد حاتم، أن انتشار المدارس الأجنبية وخاصـة في بلاد الشام قد ساعد على الغزو الثقافي للعالم العربي. كما يعتبرون أن دعم الدولـة لهذا النوع من المدارس وإهمال المدارس الوطنية التي كانت تقوم بتثبيت الهوية الوطنيـة كان عاملاً آخر لاشتداد الغزو الثقافي، (الغزو الثقافي الممهد والمتوافق مع الاستعمار الحديث في الوطن العربي، ص 59).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق